متى نقول الحقيقة…
في كثير من الأوقات نختلف على فكرة قول الحقيقة، وهنا لست أتحدث عن قول الحقيقة تجاه جريمة معينة أو حادثة تستوجب تدخل القانون. أن نقول الحقيقة عندما يكون لدينا إحتمال الصمت أو ببساطة التستر على الحقيقة، وبكلمة أوضح أن نكذب!
صديقتي تلبس ثيابًا لا تتناسب مع شكلها من وجهة نظري، ومن وجهة نظر الكثيرين، لكنها ببساطة تراها مناسبة. يأتي السؤال الآن، هل أخبرها ببشاعة ثيابها وبأنني مللت من أن أجيب على سؤالها ب “نعم تبدين جميلة”!
صديقتي الأخرى زوجها يخونها، رأيته يوما في وضع أكثر من الزمالة، بقيت أسبوع أتلوى من هذا السر الذي ينهشني، والذي تكبر معه ضرورة إخبارها بالحقيقة. أنا أعلم أنني إن أخبرتها قد أهدم حياة عائلة إلى الأبد، وإن سكتّت، سأعيش مع هذا السر الذي يعوم على ضميري منتظرًا أن ألفظه خارجًا!
صديقي في العمل أصبح وزنه أكثر بكثير من الحد الأدنى للخطر، يشتهي كل شيء ويأكل كل شيء. هو ببساطة لا يستطيع السيطرة على هذه الشهية التي تحولت إلى مرض، وبالتأكيد لديه مرايا في المنزل تخبره بما أريد أن أخبره كل يوم. الحقيقة أريد أن أقول له أن لهذه المشاكل حلول كثيرة، لكن ببساطة هذا ليس من شأني، لكن عندما يسألني: هل لا حظت أنه قد خسر وزنًا، لا أعلم هل أجيب بالحقيقة أم أهز رأسي إيجابًا.
أصدقاء العائلة أطفالهم قمة في قلة الأدب، برأيي الصريح هذا ناتج عن إهمال الأهل، وطبعا هو مزيج مما يسمعه الأولاد من تراشق في الحديث بين الأهل أمامهم “دون قصد”! عندما يأتي يوم زيارتهم، هل أقول لهم الحقيقة بأن لا يجلبوا أبنائهم لأنني قد اضطر لمفارقة أثاث معين أو غرض من أغراض المطبخ، بسبب شقاوتهم، أو أنني أتمنى أن أربطهم بعامود المنزل حتى تنتهي الزيارة. أم أنه عليَّ أن أبتسم كالعادة وأرحب بهم، وبعدها أعاني من آلام القولون لأنني غصبت نفسي على السكوت وضبط النفس؟
صديقتي التي يخونها زوجها، عندما أخبرتها -بأبسط وألطف طريقة ممكنة- بخيانة زوجها، رمقتني بنظرة تحمل القليل من اللامبالاة والكثير من الكره الممزوج ببقايا جرح، يبدو أنني قمت بفتحه من جديد! صديقتي أخبرتني حقيقة جديدة، بأنها ببساطة تعلم، وأنني عليَّ أن لا أفرض نفسي على الآخرين وحياتهم الخاصة!
أما صاحبة الموضة المدمّرة، آخر مرّة أخبرتها بأن ذوقها صعب ويكشف كل العيوب في شكلها، كانت تلك آخر مرّة نتحدث بها!
برأي الصديقتين، أنا متطفلة ووقحة، لكنهما كانتا تعلمان بأن ما أقوله هو حقيقي. لكن، من يستطيع الوقوف أمام حقيقة يعلم جيدًا بأنها ستغير حياته، وإلى الأبد!
هذه أمور بسيطة، إذا لنفترض أنني أؤمن بعقائد مخالفة لعقائد الآخر، وبأنني أرى الحقيقة من وجهة نظري، وأنه يتوجب عليَّ إخبار الآخر عن الحقيقة. هل أخبره بما أؤمن أنا، أم أخبره بأن ما يؤمن به ويعتقد به، هو ببساطة ليس حقيقة وبالتالي هو هرطقة وبالتالي نصل إلى الكلمة المشهورة في مجتمعنا “كفر”! هنا، لم تعد المسألة عن الحقيقة، بل تعدتها إلى فكرة تدمير حقيقة الآخر لتبقى حقيقتي، لأن البعض لا يكتفي بالحديث عن ما يؤمن به، بل يكون هدفه الأسمى هو تدمير أية حقيقة أخرى غير حقيقته وبالتالي قد يتمادى البعض ويفكر بتدمير الآخر، ليبقى هو فقط وحقيقته.
أن تخبر الحقيقة بدافع البناء، هذا شيء سامٍ لكنه قابل لأن يتحول إلى حرب تكفيرية، فقط عندما يصبح بدافع الهدم.
Comments